ها هي المسرحية الخادعة تصل إلى مشهدها الأخير، وها هم الممثلون يخلعون أقنعتهم المثيرة لتظهر ملامحهم المخيفة، وها نحن نظل في خانة المتفرجين نصفق رغماً عنا للستار الذي ننتظر بفارغ الصبر إسداله، ليريحنا من عناء المناقشات العقيمة والسمجة.
وهكذا تعلمنا الدرس من جديد، فباب الحرية لا يفتحه المرتعشون، ولا يدخله - بسلام - خائف، ولا يصله واهن أو متكاسل، لأن الطريق المفضي إلى الحرية مليء بحواجز السلطة وحراسها المدججين بأسلحة جاهزة لرمي كل المخالفين. وهكذا وصلت دفة التعديلات الدستورية إلى رحلتها الأخيرة قبل أن نلفظ أنفاسنا الأخيرة.
وهكذا وصلنا، أو أوصلتنا السلطة الحاكمة، إلى الحائط السد، كما كان متوقعاً، فالمغتصب لا يترك لضحيته فرصة الإفلات، وكما توقعنا فعلت السلطة ما تريده فقط دون أن تلتفت لكل وجهات النظر العاقلة والمحترمة من علماء وكتّاب يحبون ويخافون على الوطن أكثر كثيراً من السلطة التي لا تخاف سوى على بقائها والحفاظ على مكتسباتها الشخصية التي تنعكس على أعضائها فقط.
ولا أنكر أن السجال كان رائعاً، وهب كل من لديه فكر وعلم ووعي، ومن قبل حب لهذا الوطن، لمناقشة التعديلات الدستورية على أمل أن ينزع الحزب الوطني الطين عن آذان أعضائه، ويرفع الغشاوة عن عيونهم، ويزيل العمى الذي في قلوبهم، لعلهم يستمعون إلى أصوات أخرى غير أصواتهم.. أصوات عاقلة من علماء ومفكرين ومثقفين سياسيين وخبراء دستوريين ومبدعين كبار، وبرلمانيين محترمين ينظرون إلى مستقبل مصر، وليس مستقبل حفنة من قادة حزب غاصب للسلطة والمال والوطن.
لكن الحزب الوطني ظل، ورجاله، على عنادهم وكبريائهم القاتل الذي ينم عن فكر ضحل ورؤى متحجرة وخوف متغلغل في صدورهم من أن يأتي اليوم الذي يكون فيه الشعب قادراً على الفرز بين الصالح والطالح، مما يعني زحزحتهم عن فسادهم، وهو لاشك سيحدث بدستور جديد وليس دستوراً مهلهلاً يكافح من أجل مساندة السلطة الواهنة التي تحافظ على وجودها وبقائها بطرق غير شرعية.
فمصر لم تعد هي نفسها قبل عامين، ولن تجبرها مادة دستورية ظاهرها تحجيم ومحاسبة الإرهاب وباطنها تكميم كل من ينطق بكلمة حق، أو يخرج عن الطابور المعد لحشر مصر كلها فيه، لن يجبرها هذا على الصمت، إذ حتماً سيكون هناك رد لأفعال الحزب الحاكم الذي يريد أن يسلب من الناس أكثر مما سلب، وينتهك حياتهم أكثر مما انتهك، ويلغي إرادتهم أكثر مما ألغى، ويزيد من جرائم منتسبيه المحتمين بمظلته أكثر مما ارتكبوا، وأن يظل مسيطراً على السلطتين التشريعية والتنفيذية بالقوة والتزوير والبلطجة والترويع، ونفي وإقصاء سلطة القانون والرقابة بما فيها إبعاد القضاة عن العملية الانتخابية ليتسنى له تزوير كامل لإرادة الشعب المصري.. حتماً سيكون لكل هذه الأفعال رد يخلص مصر من هذه الطغمة التي لم تعد قادرة على التفريق بين الوطن والعزبة، وبين المال العام والمال الخاص، وبين فرض القانون وفرض القوة بالترويع.
ورغم أن الكيل طفح، ولم تعد في اليد حيلة، غير أن روح الأمل في التغيير ستظل باقية وحية ما بقي لمصر هؤلاء العظماء الذين فندوا لعبة التعديلات الدستورية، وكشفوا زيف وقبح حجج متكلمي الحزب الحاكم الذين سيطروا على الإعلام الرسمي تماماً وحولوه إلى أداة شخصية، لكنهم لم يستطيعوا الفكاك من الزور الذي لف منطقهم في الكلام، وكشف عن أن مصر لو ظلت في أيدي أشخاص مثل محمد كمال أمين التثقيف في الحزب الحاكم وأكثر المتحدثين عن التعديلات، سيكون مصيرها حتماً أسوأ بكثير من الآن، فالرجل ينسف دون حجة أو منطق كل رأي سديد وكل فكر مستقيم وأكثر كلمة كانت تقال على لسانه (غير صحيح)، وغير الصحيح فعلاً هو أن يطفو على السطح مثل هذا النوع من البشر الذين يبحثون عن الضوء والمناصب حتى لو كان الثمن جرائم يرتكبونها في حق الشعب المصري.
محمد كمال الذي يصدر لنا على أنه واحد من رجال المستقبل، يدافع عن التعديلات الدستورية بطريقة تدفع للتساؤل: كيف يكون صاحب هذه الطريقة في نفي الرأي الآخر دون مناقشته، هو نفسه المسؤول عن التثقيف في الحزب الحاكم؟! لكن الرجل أثبت أن الحزب الوطني لن يمنح مصر شيئاً، ولن يتنازل عن سيطرته بكل الوسائل غير الشرعية، ولن يسمح بتعددية حقيقية تهدد عرشه، ولن يساهم في أن ينال الشعب المصري قسطاً من الحرية والعيش الكريم، لأن هذا يعني أن الزمام سيفلت من هذا الحزب الغاصب، وهو في هذا لن يتوقف من تلقاء نفسه، فالضمائر ماتت، وأشباه الرجال وعديمو الموهبة هم المسيطرون، والسطحيون والأغبياء تسيدوا الواجهات منظرين، ومتحدثين باسم الوطن، بينما هُمّش وغُيّب أصحاب الفكر والآراء السديدة.
وهكذا أصبح واحد مثل محمد كمال نجماً يتحدث بمناسبة وبغيرها، ويردد الكلام نفسه الذي ردده دون أن تتغير ملامحه، ودون أن يطور أو يعدل حرفاً.. تماماً كممثل جيد الحفظ، فاشل في الأداء وضعيف في التعبير، أو رجل يريد أن يظهر بصورة من يمتلك الدهاء السياسي، ليظل على خطواته التي تمنحه كل يوم مكانة جديدة، وعلى أية حال هو قادر على إقناع قادته بذلك، لكنني أشك أن يكون الشعب المصري صدق حرفاً واحداً مما قال أو يقول، فنحن في لحظات تتطلب رجالاً لديهم القدرة والإمكانات الهائلة لإدارة الدولة وانتشالها من عثراتها الكثيرة وتراجعها على كافة المستويات من السياسة إلى الاقتصاد، وحتى الفن، ولسنا في حاجة إلى دهاة في السياسة يتلاعبون بالكلمات ويستخدمون أساليب رخيصة في الإقناع.
وشخصياً لم أتوقع أن يفعل مجلسا الشورى والشعب شيئاً جديداً فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية، وكتبت ذلك في مقالات عدة، بل إنني توقعت أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه بالفعل، وتوقفت مرات عدة عند مناقشة المواد 88 و179 و76 و77، وهي المواد التي كان يجب أن يتم التركيز عليها وتجاوز الخلاف حول مواد، حذفها أو وجودها لا يضيف ولا يلغي، لكن حتى لو حدث هذا وجرت المناقشات بوتيرة أخرى ما كان سيختلف أي شيء، فمقدمات تجهيز المواد المعدلة أعطتنا الدليل والمفتاح على فساد النتائج، وكنا سنستمع إلى الردود المخجلة نفسها والمبررات المضحكة نفسها، كنا سنرى الوجوه الممسوخة نفسها وهي تقدم آراءها الضحلة والمتخلفة التي جرّت وتجرّ الوطن إلى الخلف دائماً.
فمن وجهة نظرهم علينا أن نباهي بتعديل المادة 88 لأنها تعمّق وتنظم الإشراف القضائي.. أي إشراف؟ إنهم يقولون إنهم يريدون إلغاء (قاض لكل صندوق) نظراً لقلة عدد القضاة، مما يجعل الانتخابات البرلمانية تعقد على مراحل، رغم أن الذي استفاد من تقسيم الانتخابات إلى مراحل كان الحزب الوطني الذي انكشف تماماً في المرحلة الأولى، فكثف من أساليبه في البلطجة والرشوة والتخويف في المرحلتين الثانية والثالثة.
ثم ما الضرر من عقد الانتخابات على مراحل، فهذه مسألة تخص القضاة وحدهم، ولم يثبت أنها عطلت سير العدالة، فلم يقل لنا أحد أن وكيلاً للنائب العام أجل التحقيق مع مجرم بسبب الانتخابات، ولم نسمع عن ضياع قضية بسبب مشاركة القاضي في الانتخابات.
ولكنهم قالوا أيضاً: (نحن نحترم دور القاضي ونجل مكانته، وبالتالي ليس من اللائق جلوسه أمام صندوق الانتخابات، لأن في ذلك تقليلاً من قيمته).. وهذا كلام باطل يراد به باطل أيضاً، باطل لأن القضاة حريصون على تجربة (قاض لكل صندوق)، ويراد بهذا الكلام باطل أيضاً، فلا نتيجة لذلك غير التزوير، فحتى الآن لم يكن هناك ضمانة معقولة سوى ذلك، ثم ألا يقلل من قيمة القاضي أن يشرف على عملية يعلم تمام العلم أنها مزورة، أو يقوم بفرز أصوات لا ضمانة على صحتها.؟ هذا هو المهين فعلاً وليس (قاض لكل صندوق)، فتعديل هذه المادة يعني بالضرورة ضمان نجاح مرشحي الحزب الوطني دون غيرهم في أية انتخابات، وكذلك تضمن المادتان (77 و76) استمرار سيطرة الحزب الحاكم على السلطة، وتكريس استمرار منهج الحكم الحالي بغير منافسة أو معارضة، وتأتي مادة الإرهاب لتحمي كل ذلك عبر سلسلة من الإجراءات البوليسية التي تزيد من القيود على حرية الشعب.
وهكذا وصلنا إلى الاستفتاء الذي سيكون حتماً بـ (نعم) إذا لم يشرف عليه بشكل كامل قضاة طبيعيون وفقاً للدستور الحالي، لكن هذا لن يحدث، وستقر التعديلات الدستورية كما أرادها الحزب الحاكم، ولا عزاء لسادة الدستور والتشريع والفكر في مصر، الذين ناضلوا من أجل وضع تعديلات حقيقية وفشلوا، لكن النضال سيستمر من أجل دستور جديد وليس دستوراً مرقعاً ومريضاً لا يليق بمصر، وساعتها لن نكون مجرد متفرجين.
وهكذا تعلمنا الدرس من جديد، فباب الحرية لا يفتحه المرتعشون، ولا يدخله - بسلام - خائف، ولا يصله واهن أو متكاسل، لأن الطريق المفضي إلى الحرية مليء بحواجز السلطة وحراسها المدججين بأسلحة جاهزة لرمي كل المخالفين. وهكذا وصلت دفة التعديلات الدستورية إلى رحلتها الأخيرة قبل أن نلفظ أنفاسنا الأخيرة.
وهكذا وصلنا، أو أوصلتنا السلطة الحاكمة، إلى الحائط السد، كما كان متوقعاً، فالمغتصب لا يترك لضحيته فرصة الإفلات، وكما توقعنا فعلت السلطة ما تريده فقط دون أن تلتفت لكل وجهات النظر العاقلة والمحترمة من علماء وكتّاب يحبون ويخافون على الوطن أكثر كثيراً من السلطة التي لا تخاف سوى على بقائها والحفاظ على مكتسباتها الشخصية التي تنعكس على أعضائها فقط.
ولا أنكر أن السجال كان رائعاً، وهب كل من لديه فكر وعلم ووعي، ومن قبل حب لهذا الوطن، لمناقشة التعديلات الدستورية على أمل أن ينزع الحزب الوطني الطين عن آذان أعضائه، ويرفع الغشاوة عن عيونهم، ويزيل العمى الذي في قلوبهم، لعلهم يستمعون إلى أصوات أخرى غير أصواتهم.. أصوات عاقلة من علماء ومفكرين ومثقفين سياسيين وخبراء دستوريين ومبدعين كبار، وبرلمانيين محترمين ينظرون إلى مستقبل مصر، وليس مستقبل حفنة من قادة حزب غاصب للسلطة والمال والوطن.
لكن الحزب الوطني ظل، ورجاله، على عنادهم وكبريائهم القاتل الذي ينم عن فكر ضحل ورؤى متحجرة وخوف متغلغل في صدورهم من أن يأتي اليوم الذي يكون فيه الشعب قادراً على الفرز بين الصالح والطالح، مما يعني زحزحتهم عن فسادهم، وهو لاشك سيحدث بدستور جديد وليس دستوراً مهلهلاً يكافح من أجل مساندة السلطة الواهنة التي تحافظ على وجودها وبقائها بطرق غير شرعية.
فمصر لم تعد هي نفسها قبل عامين، ولن تجبرها مادة دستورية ظاهرها تحجيم ومحاسبة الإرهاب وباطنها تكميم كل من ينطق بكلمة حق، أو يخرج عن الطابور المعد لحشر مصر كلها فيه، لن يجبرها هذا على الصمت، إذ حتماً سيكون هناك رد لأفعال الحزب الحاكم الذي يريد أن يسلب من الناس أكثر مما سلب، وينتهك حياتهم أكثر مما انتهك، ويلغي إرادتهم أكثر مما ألغى، ويزيد من جرائم منتسبيه المحتمين بمظلته أكثر مما ارتكبوا، وأن يظل مسيطراً على السلطتين التشريعية والتنفيذية بالقوة والتزوير والبلطجة والترويع، ونفي وإقصاء سلطة القانون والرقابة بما فيها إبعاد القضاة عن العملية الانتخابية ليتسنى له تزوير كامل لإرادة الشعب المصري.. حتماً سيكون لكل هذه الأفعال رد يخلص مصر من هذه الطغمة التي لم تعد قادرة على التفريق بين الوطن والعزبة، وبين المال العام والمال الخاص، وبين فرض القانون وفرض القوة بالترويع.
ورغم أن الكيل طفح، ولم تعد في اليد حيلة، غير أن روح الأمل في التغيير ستظل باقية وحية ما بقي لمصر هؤلاء العظماء الذين فندوا لعبة التعديلات الدستورية، وكشفوا زيف وقبح حجج متكلمي الحزب الحاكم الذين سيطروا على الإعلام الرسمي تماماً وحولوه إلى أداة شخصية، لكنهم لم يستطيعوا الفكاك من الزور الذي لف منطقهم في الكلام، وكشف عن أن مصر لو ظلت في أيدي أشخاص مثل محمد كمال أمين التثقيف في الحزب الحاكم وأكثر المتحدثين عن التعديلات، سيكون مصيرها حتماً أسوأ بكثير من الآن، فالرجل ينسف دون حجة أو منطق كل رأي سديد وكل فكر مستقيم وأكثر كلمة كانت تقال على لسانه (غير صحيح)، وغير الصحيح فعلاً هو أن يطفو على السطح مثل هذا النوع من البشر الذين يبحثون عن الضوء والمناصب حتى لو كان الثمن جرائم يرتكبونها في حق الشعب المصري.
محمد كمال الذي يصدر لنا على أنه واحد من رجال المستقبل، يدافع عن التعديلات الدستورية بطريقة تدفع للتساؤل: كيف يكون صاحب هذه الطريقة في نفي الرأي الآخر دون مناقشته، هو نفسه المسؤول عن التثقيف في الحزب الحاكم؟! لكن الرجل أثبت أن الحزب الوطني لن يمنح مصر شيئاً، ولن يتنازل عن سيطرته بكل الوسائل غير الشرعية، ولن يسمح بتعددية حقيقية تهدد عرشه، ولن يساهم في أن ينال الشعب المصري قسطاً من الحرية والعيش الكريم، لأن هذا يعني أن الزمام سيفلت من هذا الحزب الغاصب، وهو في هذا لن يتوقف من تلقاء نفسه، فالضمائر ماتت، وأشباه الرجال وعديمو الموهبة هم المسيطرون، والسطحيون والأغبياء تسيدوا الواجهات منظرين، ومتحدثين باسم الوطن، بينما هُمّش وغُيّب أصحاب الفكر والآراء السديدة.
وهكذا أصبح واحد مثل محمد كمال نجماً يتحدث بمناسبة وبغيرها، ويردد الكلام نفسه الذي ردده دون أن تتغير ملامحه، ودون أن يطور أو يعدل حرفاً.. تماماً كممثل جيد الحفظ، فاشل في الأداء وضعيف في التعبير، أو رجل يريد أن يظهر بصورة من يمتلك الدهاء السياسي، ليظل على خطواته التي تمنحه كل يوم مكانة جديدة، وعلى أية حال هو قادر على إقناع قادته بذلك، لكنني أشك أن يكون الشعب المصري صدق حرفاً واحداً مما قال أو يقول، فنحن في لحظات تتطلب رجالاً لديهم القدرة والإمكانات الهائلة لإدارة الدولة وانتشالها من عثراتها الكثيرة وتراجعها على كافة المستويات من السياسة إلى الاقتصاد، وحتى الفن، ولسنا في حاجة إلى دهاة في السياسة يتلاعبون بالكلمات ويستخدمون أساليب رخيصة في الإقناع.
وشخصياً لم أتوقع أن يفعل مجلسا الشورى والشعب شيئاً جديداً فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية، وكتبت ذلك في مقالات عدة، بل إنني توقعت أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه بالفعل، وتوقفت مرات عدة عند مناقشة المواد 88 و179 و76 و77، وهي المواد التي كان يجب أن يتم التركيز عليها وتجاوز الخلاف حول مواد، حذفها أو وجودها لا يضيف ولا يلغي، لكن حتى لو حدث هذا وجرت المناقشات بوتيرة أخرى ما كان سيختلف أي شيء، فمقدمات تجهيز المواد المعدلة أعطتنا الدليل والمفتاح على فساد النتائج، وكنا سنستمع إلى الردود المخجلة نفسها والمبررات المضحكة نفسها، كنا سنرى الوجوه الممسوخة نفسها وهي تقدم آراءها الضحلة والمتخلفة التي جرّت وتجرّ الوطن إلى الخلف دائماً.
فمن وجهة نظرهم علينا أن نباهي بتعديل المادة 88 لأنها تعمّق وتنظم الإشراف القضائي.. أي إشراف؟ إنهم يقولون إنهم يريدون إلغاء (قاض لكل صندوق) نظراً لقلة عدد القضاة، مما يجعل الانتخابات البرلمانية تعقد على مراحل، رغم أن الذي استفاد من تقسيم الانتخابات إلى مراحل كان الحزب الوطني الذي انكشف تماماً في المرحلة الأولى، فكثف من أساليبه في البلطجة والرشوة والتخويف في المرحلتين الثانية والثالثة.
ثم ما الضرر من عقد الانتخابات على مراحل، فهذه مسألة تخص القضاة وحدهم، ولم يثبت أنها عطلت سير العدالة، فلم يقل لنا أحد أن وكيلاً للنائب العام أجل التحقيق مع مجرم بسبب الانتخابات، ولم نسمع عن ضياع قضية بسبب مشاركة القاضي في الانتخابات.
ولكنهم قالوا أيضاً: (نحن نحترم دور القاضي ونجل مكانته، وبالتالي ليس من اللائق جلوسه أمام صندوق الانتخابات، لأن في ذلك تقليلاً من قيمته).. وهذا كلام باطل يراد به باطل أيضاً، باطل لأن القضاة حريصون على تجربة (قاض لكل صندوق)، ويراد بهذا الكلام باطل أيضاً، فلا نتيجة لذلك غير التزوير، فحتى الآن لم يكن هناك ضمانة معقولة سوى ذلك، ثم ألا يقلل من قيمة القاضي أن يشرف على عملية يعلم تمام العلم أنها مزورة، أو يقوم بفرز أصوات لا ضمانة على صحتها.؟ هذا هو المهين فعلاً وليس (قاض لكل صندوق)، فتعديل هذه المادة يعني بالضرورة ضمان نجاح مرشحي الحزب الوطني دون غيرهم في أية انتخابات، وكذلك تضمن المادتان (77 و76) استمرار سيطرة الحزب الحاكم على السلطة، وتكريس استمرار منهج الحكم الحالي بغير منافسة أو معارضة، وتأتي مادة الإرهاب لتحمي كل ذلك عبر سلسلة من الإجراءات البوليسية التي تزيد من القيود على حرية الشعب.
وهكذا وصلنا إلى الاستفتاء الذي سيكون حتماً بـ (نعم) إذا لم يشرف عليه بشكل كامل قضاة طبيعيون وفقاً للدستور الحالي، لكن هذا لن يحدث، وستقر التعديلات الدستورية كما أرادها الحزب الحاكم، ولا عزاء لسادة الدستور والتشريع والفكر في مصر، الذين ناضلوا من أجل وضع تعديلات حقيقية وفشلوا، لكن النضال سيستمر من أجل دستور جديد وليس دستوراً مرقعاً ومريضاً لا يليق بمصر، وساعتها لن نكون مجرد متفرجين.