تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا | وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا |
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ | أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا |
أَراكَ تُحِبُّ عِرساً ذاتَ غَدرٍ | أَبَتَّ طَلاقَها الأَكياسُ بَتّا |
تَنامُ الدَهرَ وَيحَكَ في غَطيطٍ | بِها حَتّى إِذا مِتَّ اِنتَبَهنا |
فَكَم ذا أَنتَ مَخدوعٌ وَحَتّى | مَتى لا تَرعَوي عَنها وَحَتّى |
أَبا بَكرٍ دَعَوتُكَ لَو أَجَبتا | إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا |
إِلى عِلمٍ تَكونُ بِهِ إِماماً | مُطاعاً إِن نَهَيتَ وَإِن أَمَرتا |
وَتَجلو ما بِعَينِكَ مِن عَشاها | وَتَهديكَ السَبيلَ إِذا ضَلَلتا |
وَتَحمِلُ مِنهُ في ناديكَ تاجاً | وَيَكسوكَ الجَمالَ إِذا اِغتَرَبتا |
يَنالُكَ نَفعُهُ مادُمتَ حَيّاً | وَيَبقى ذُخرُهُ لَكَ إِن ذَهَبتا |
هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو | تُصيبُ بِهِ مَقاتِلَ ضَرَبتا |
وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيهِ لِصّاً | خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا |
يَزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ | وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا |
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعماً | لَآثَرتَ التَعَلُّمَ وَاِجتَهَدتا |
وَلَم يَشغَلَكَ عَنهُ هَوى مُطاعٌ | وَلا دُنيا بِزُخرُفِها فُتِنتا |
وَلا أَلهاكَ عَنهُ أَنيقُ رَوضٍ | وَلا خِدرٌ بِرَبرَبِهِ كَلِفتا |
فَقوتُ الروحِ أَرواحُ المَعاني | وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتا |
فَواظِبهُ وَخُذ بِالجِدِّ فيهِ | فَإِن أَعطاكَهُ اللَهُ أَخَذتا |
وَإِن أوتيتَ فيهِ طَويلَ باعٍ | وَقالَ الناسُ إِنَّكَ قَد سَبَقتا |
فَلا تَأمَن سُؤالَ اللَهِ عَنهُ | بِتَوبيخٍ عَلِمتَ فَهَل عَمِلتا |
فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَهِ حَقّاً | وَلَيسَ بِأَن يُقال لَقَد رَأَستا |
وَضافي ثَوبِكَ الإِحسانُ لا أَن | تُرى ثَوبَ الإِساءَةِ قَد لَبِستا |
إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً | فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا |
وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ | فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا |
سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلاً | وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتا |
وَتُفقَدُ إِن جَهِلتَ وَأَنتَ باقٍ | وَتوجَدُ إِن عَلِمتَ وَقَد فُقِدتا |
وَتَذكُرُ قَولَتي لَكَ بَعدَ حينٍ | وَتَغبِطُها إِذا عَنها شُغِلتا |
لَسَوفَ تَعَضُّ مِن نَدَمٍ عَلَيها | وَما تُغني النَدامَةُ إِن نَدِمتا |
إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ | قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلتا |
فَراجِعها وَدَع عَنكَ الهُوَينى | فَما بِالبُطءِ تُدرِكُ ما طَلَبتا |
وَلا تَحفِل بِمالِكَ وَاِلهُ عَنهُ | فَلَيسَ المالُ إِلّا ما عَلِمتا |
وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً | وَلَو مُلكُ العِراقِ لَهُ تَأَتّى |
سَيَنطِقُ عَنكَ عِلمُكَ في نَدِيٍّ | وَيُكتَبُ عَنكَ يَوماً إِن كَتَبتا |
وَما يُغنيكَ تَشيِيدُ المَباني | إِذا بِالجَهلِ نَفسَكَ قَد هَدَمتا |
جَعَلتَ المالَ فَوقَ العِلمِ جَهلاً | لَعَمرُكَ في القَضيَّةِ ماعَدَلتا |
وَبَينَهُما بِنَصِّ الوَحيِ بَونٌ | سَتَعلَمُهُ إِذا طَهَ قَرَأتا |
لَئِن رَفَعَ الغَنيُّ لِواءَ مالٍ | لَأَنتَ لِواءَ عِلمِكَ قَد رَفَعتا |
وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا | لَأَنتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستا |
وَإِن رَكِبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ | لَأَنتَ مَناهِجَ التَقوى رَكِبتا |
وَمَهما اِفتَضَّ أَبكارَ الغَواني | فَكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتا |
وَلَيسَ يَضُرُّكَ الإِقتارُ شَيئاً | إِذا ما أَنتَ رَبَّكَ قَد عَرَفتا |
فَما عِندَهُ لَكَ مِن جَميلٍ | إِذا بِفِناءِ طاعَتِهِ أَنَختا |
فَقابِل بِالقَبولِ صَحيحَ نُصحي | فَإِن أَعرَضتَ عَنهُ فَقَد خَسِرتا |
وَإِن راعَيتَهُ قَولاً وَفِعلاً | وَتاجَرتَ الإِلَهَ بِهِ رَبِحتا |
فَلَيسَت هَذِهِ الدُنيا بِشَيءٍ | تَسوؤُكَ حُقبَةً وَتَسُرُّ وَقتا |
وَغايَتُها إِذا فَكَرَّت فيها | كَفَيئِكَ أَو كَحُلمِكَ إِن حَلَمتا |
سُجِنتَ بِها وَأَنتَ لَها مُحِبٌّ | فَكَيفَ تُحِبُّ ما فيهِ سُجِنتا |
وَتُطعِمُكَ الطَعامَ وَعَن قَريبٍ | سَتَطعَمُ مِنكَ ما مِنها طَعِمتا |
وَتَعرى إِن لَبِستَ لَها ثِياباً | وَتُكسى إِن مَلابِسَها خَلَعتا |
وَتَشهَدُ كُلَّ يَومٍ دَفنَ خِلٍّ | كَأَنَّكَ لا تُرادُ بِما شَهِدتا |
وَلَم تُخلَق لِتَعمُرها وَلَكِن | لِتَعبُرَها فَجِدَّ لِما خُلِقتا |
وَإِن هُدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدماً | وَحَصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا |
وَلا تَحزَن عَلى ما فاتَ مِنها | إِذا ما أَنتَ في أُخراكَ فُزتا |
فَلَيسَ بِنافِعٍ ما نِلتَ فيها | مِنَ الفاني إِذا الباقي حُرِمتا |
وَلا تَضحَك مَعَ السُفَهاءِ لَهواً | فَإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتا |
وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ | وَلا تَدري أَتُفدى أَم غَلِقتا |
وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها | وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا |
وَنادِ إِذا سَجَدتَ لَهُ اِعتِرافاً | بِما ناداهُ ذو النونِ بنُ مَتّى |
وَلازِم بابَهُ قَرعاً عَساهُ | سَيفتَحُ بابَهُ لَكَ إِن قَرَعتا |
وَأَكثِر ذِكرَهُ في الأَرضِ دَأباً | لِتُذكَرَ في السَماءِ إِذا ذَكَرتا |
وَلا تَقُل الصِبا فيهِ مَجالٌ | وَفَكِّر كَم صَغيرٍ قَد دَفَنتا |
وَقُل لي يا نَصيحُ لَأَنتَ أَولى | بِنُصحِكَ لَو بِعَقلِكَ قَد نَظَرتا |
تُقَطِّعُني عَلى التَفريطِ لَوماً | وَبِالتَفريطِ دَهرَكَ قَد قَطَعتا |
وَفي صِغَري تُخَوِّفُني المَنايا | وَما تَجري بِبالِكَ حينَ شِختا |
وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيلاً | فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نُكِستا |
وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا | كَما قَد خُضتَهُ حَتّى غَرِقتا |
وَلَم أَشرَب حُمَيّاً أُمِّ دَفرٍ | وَأَنتَ شَرِبتَها حَتّى سَكِرتا |
وَلَم أَحلُل بِوادٍ فيهِ ظُلمٌ | وَأَنتَ حَلَلتَ فيهِ وَاِنهَمَلتا |
وَلَم أَنشَأ بِعَصرٍ فيهِ نَفعٌ | وَأَنتَ نَشَأتَ فيهِ وَما اِنتَفَعتا |
وَقَد صاحَبتَ أَعلاماً كِباراً | وَلَم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتا |
وَناداكَ الكِتابُ فَلَم تُجِبهُ | وَنَهنَهَكَ المَشيبُ فَما اِنتَبَهتا |
لَيَقبُحُ بِالفَتى فِعلُ التَصابي | وَأَقبَحُ مِنهُ شَيخٌ قَد تَفَتّى |
فَأَنتَ أَحَقُّ بِالتَفنيدِ مِنّي | وَلو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتا |
وَنَفسَكَ ذُمَّ لا تَذمُم سِواها | بِعَيبٍ فَهِيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا |
فَلَو بَكَت الدَما عَيناكَ خَوفاً | لِذَنبِكَ لَم أَقُل لَكَ قَد أَمِنتا |
وَمَن لَكَ بِالأَمانِ وَأَنتَ عَبدٌ | أُمِرتَ فَما اِئتَمَرتَ وَلا أَطَعتا |
ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَلَستَ تَخشى | لِجَهلِكَ أَن تَخِفَّ إِذا وُزِنتا |
وَتُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي | وَتَرحَمُهُ وَنَفسَكَ ما رَحِمتا |
رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا | لَعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتا |
وَلَو وافَيتَ رَبَّكَ دونَ ذَنبٍ | وَناقَشَكَ الحِسابَ إِذاً هَلَكتا |
وَلَم يَظلُمكَ في عَمَلٍ وَلَكِن | عَسيرٌ أَن تَقومَ بِما حَمَلتا |
وَلَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَرداً | وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيهِ شَتّى |
لَأَعظَمتَ النَدامَةَ فيهِ لَهَفاً | عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا |
تَفِرُّ مِنَ الهَجيرِ وَتَتَّقيهِ | فَهَلّا عَن جَهَنَّمَ قَد فَرَرتا |
وَلَستَ تُطيقُ أَهوَنَها عَذاباً | وَلَو كُنتَ الحَديدَ بِها لَذُبتا |
فَلا تُكذَب فَإِنَّ الأَمرَ جِدٌّ | وَلَيسَ كَما اِحتَسَبتَ وَلا ظَنَنتا |
أَبا بَكرٍ كَشَفتَ أَقَلَّ عَيبي | وَأَكثَرَهُ وَمُعظَمَهُ سَتَرتا |
فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخازي | وَضاعِفها فَإِنَّكَ قَد صَدَقتا |
وَمَهما عِبتَني فَلِفَرطِ عِلمي | بِباطِنَتي كَأَنَّكَ قَد مَدَحتا |
فَلا تَرضَ المَعايِبَ فَهِيَ عارٌ | عَظيمٌ يُورِثُ الإِنسانَ مَقتا |
وَتَهوي بِالوَجيهِ مِنَ الثُرَيّا | وَتُبدِلُهُ مَكانَ الفَوقِ تَحتا |
كَما الطاعاتُ تَنعَلُكَ الدَراري | وَتَجعَلُكَ القَريبَ وَإِن بَعُدتا |
وَتَنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميلاً | فَتُلفى البَرَّ فيها حَيثُ كُنتا |
وَتَمشي في مَناكِبَها كَريماً | وَتَجني الحَمدَ مِمّا قَد غَرَستا |
وَأَنتَ الآن لَم تُعرَف بِعابٍ | وَلا دَنَّستَ ثَوبَكَ مُذ نَشَأتا |
وَلا سابَقتَ في ميدانِ زورٍ | وَلا أَوضَعتَ فيهِ وَلا خَبَبتا |
فَإِن لَم تَنأَ عَنهُ نَشِبتَ فيهِ | وَمَن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتا |
وَدَنَّسَ ما تَطَهَّرَ مِنكَ حَتّى | كأَنَّكَ قَبلَ ذَلِكَ ما طَهُرتا |
وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ | وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا |
وَخَف أَبناء جِنسِكَ وَاِخشَ مِنهُم | كَما تَخشى الضَراغِمَ وَالسَبَنتى |
وَخالِطهُم وَزايلهُم حِذاراً | وَكُن كالسامِريَّ إِذا لَمِستا |
وَإِن جَهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلاماً | لَعَلَّكَ سَوفَ تَسلَمُ إِن فَعَلتا |
وَمَن لَكَ بِالسَلامَةِ في زَمانٍ | يَنالُ العُصمَ إِلّا إِن عُصِمتا |
وَلا تَلَبَث بِحَيٍّ فيهِ ضَيمٌ | يُميتُ القَلبَ إِلا إِن كُبِّلتا |
وَغَرِّب فَالغَريبُ لَهُ نَفاقٌ | وَشَرِّق إِن بَريقَكَ قَد شَرِقتا |
وَلَو فَوقَ الأَميرِ تَكونُ فيها | سُمُوّاً وَاِفتِخاراً كُنتَ أَنتا |
وَإِن فَرَّقتَها وَخَرَجتَ مِنها | إِلى دارِ السَلامِ فَقدَ سَلِمتا |
وَإِن كَرَّمتَها وَنَظَرتَ مِنها | بِإِجلالٍ فَنَفسَكَ قَد أَهَنتا |
جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلها | حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتا |
وَطَوَّلتُ العِتابَ وَزِدتُ فيهِ | لِأَنَّكَ في البَطالَةِ قَد أَطَلتا |
فَلا تَأخُذ بِتَقصيري وَسَهوي | وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا |
وَقَد أَردَفتُها سِتّاً حِساناً | وَكانَت قَبلَ ذا مِئَةً وَسِتّا |